الخلاف الصامت بين السعودية والإمارات: هل تلوّح أبوظبي بورقة الانسحاب من أوبك؟

في 31 مايو، أعلنت منظمة “أوبك بلس” عن زيادة جديدة في إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يوميًا خلال يوليو، في ثالث خطوة مماثلة خلال ثلاثة أشهر، لتبلغ الزيادة الإجمالية نحو 1.2% من الطلب العالمي.

ورغم أهمية هذه الخطوة، فإنها لم تكن كافية لكبح أسعار النفط المرتفعة، بل كشفت عن أزمة أعمق تعصف بالتكتل النفطي العريق، تقودها التوترات الصامتة بين اثنين من أركانه: السعودية والإمارات.

أزمة متصاعدة داخل أوبك

لطالما مثلت “أوبك” أداة لفرض الانضباط على الدول المنتجة وحماية الأسعار، لكن التحولات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية تدفع الدول الأعضاء، خصوصًا الخليجية، إلى تجاوز الحصص المحددة وتغليب مصالحها الخاصة.

ويبدو أن السعودية، اللاعب الأكبر في المنظمة، تجد صعوبة متزايدة في فرض القواعد على الشركاء، وخصوصًا الإمارات، التي باتت تتمتع بمعاملة خاصة رغم تكرار تجاوزاتها.

تقول الإمارات إنها تلتزم بحصتها البالغة 2.9 مليون برميل يوميًا، لكن تتبع الناقلات يظهر أن صادراتها وحدها تقترب من هذا الرقم، من دون احتساب التكرير المحلي أو الإضافات للمخزون.

وقدّرت وكالة الطاقة الدولية إنتاجها في أبريل بـ3.3 مليون برميل يوميًا، فيما ذهب بعض المحللين إلى أنها تضخ فعليًا 3.4 ملايين، ما يعني تجاوزًا للحصة يتراوح بين 200 و500 ألف برميل يوميًا.

صمت سعودي رغم التوتر

اللافت أن هذه التجاوزات من الإمارات تمر بلا محاسبة تُذكر، رغم إدراك السعودية بها. ويعود ذلك إلى هشاشة الوضع داخل “أوبك بلس”؛ ففي عام 2021، كادت أبوظبي أن تنسحب من المنظمة احتجاجًا على حصتها الإنتاجية، وهو تهديد اعتبرته الرياض ضربة محتملة قد تعصف بتماسك الكارتل.

لذلك، رغم توتر العلاقات بين وليي العهد في البلدين، تتجنب الرياض فتح مواجهة مباشرة مع أبوظبي.

هذا التوتر مرشح للتفاقم. فالإمارات تمتلك طاقة احتياطية كبيرة لم تُستغل بعد، وتستعد لرفع إنتاجها إلى 5 ملايين برميل يوميًا بحلول 2027، بعد أن خصصت 62 مليار دولار للاستثمار في هذا القطاع.

في المقابل، لا تواكب حصتها الرسمية هذا الطموح، إذ حصلت فقط على زيادة تدريجية بواقع 300 ألف برميل يوميًا. ومع تأجيل أوبك لمراجعة الحصص إلى 2027، يتصاعد التململ الإماراتي، ما يثير المخاوف من انسحابها المحتمل من التكتل.

اقتصاديًا، تختلف أهداف البلدين. فبينما تحتاج السعودية إلى سعر يبلغ نحو 90 دولارًا للبرميل لتغطية نفقاتها الطموحة على مشاريع مثل “نيوم”، تكفي الإمارات أسعار عند 50 دولارًا لتحقيق التوازن المالي. لذلك، تبدو أبوظبي أكثر تقبّلًا لانخفاض الأسعار، خصوصًا إذا أدى ذلك إلى زيادة حصتها السوقية.

تحاول السعودية استخدام زيادات الإنتاج كأداة لفرض الانضباط داخل المنظمة ومعاقبة الدول غير الملتزمة، لكنها تفعل ذلك ضمن حسابات دقيقة. فالمملكة تدرك أن الضغط الزائد على الإمارات قد يؤدي إلى تمرد فعلي، يقوّض ما تبقى من نفوذ أوبك، خاصة في ظل اتساع الإنتاج من خارجها، وغياب أدوات فعالة للرقابة والمحاسبة.

وفي الخلفية، تتداخل الحسابات الجيوسياسية، فبعض الزيادات الأخيرة تزامنت مع استعدادات لاستقبال مسؤولين أمريكيين، بينهم دونالد ترامب، الذي يدفع باتجاه تخفيض أسعار البنزين، ويكافئ الدول المتعاونة بتسهيلات تكنولوجية وتجارية، مثل رقائق الذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، يظهر كيف باتت قرارات أوبك تتأثر بالضغوط الخارجية مثلما تتأثر بالخلافات الداخلية.

خلاصة القول: العلاقات السعودية الإماراتية تمر بمرحلة برود واضحة داخل أوبك، وربما خارجها، فيما تتحول الخلافات حول الحصص إلى معركة كسر عظم صامتة.

ومع استمرار الإمارات في تجاوز الحصص وتزايد طموحاتها الإنتاجية، تقترب المنظمة من لحظة فارقة. وإذا تصاعد الصراع بين الرياض وأبوظبي، فقد تجد أوبك نفسها أمام خطر التفكك أو فقدان تأثيرها في السوق العالمي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.